سورة الجاثية - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجاثية)


        


قوله تعالى: {حم تنزيلُ الكتاب} قد شرحناه في أول المؤمن.
قوله تعالى: {وفي خَلْقكم} أي: من تراب ثم من نُطْفة إِلى أن يتكامل خَلْق الإِِنسان {وما يَبُثُّ مِنْ دابَّة} أي: وما يُفرِّق في الأرض من جميع ما خلق على اختلاف ذلك في الخَلْق والصُّوَر {آياتٌ} تدُلُّ على وحدانيَّته. قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {آياتٌ} رفعاً {وتصريفِ الرِّياحِ آياتٌ} رفعاً أيضاً. وقرأ حمزة، والكسائي: بالكسر فيهما. والرِّزق هاهنا بمعنى المطر.
قوله تعالى: {تلك آياتُ الله} أي: هذه حُجج الله {نتلوها عليك بالحق فبأيِّ حديثٍ بَعْدَ الله} أي: بعد حديثه {وآياتِه} يؤمِن هؤلاء المشركون؟!.
قوله تعالى: {وَيْلٌ لكل أفّاكٍ أثيمٍ} روى أبو صالح عن ابن عباس أنها نزلت في النضر بن الحارث. وقد بيَّنّا معناها في [الشعراء: 222] والآية التي تليها مفسَّرة في [لقمان: 7].
قوله تعالى: {وإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شيئاً} قال مقاتل: معناه: إِذا سمع. وقرأ ابن مسعود: {وِإذا عُلِّمَ} برفع العين وكسر اللام وتشديدها.
قوله تعالى: {اتَّخَذَها هُزُواً} أي: سَخِر منها، وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت {إِنَّ شَجَرة الزَّقُّوم، طعاُم الأثيمِ} [الدخان: 43 44] فدعا بتمر وزُبْد، وقال: تَزَقَّموا فما يَعِدُكم محمد إِلاَّ هذا. وإِنما قال: {أولئك} لأنه ردَّ الكلام إلى معنى كُلّ.
{مِنْ ورائهم جهنَّمُ} قد فسَّرناه في [إبراهيم: 16] {ولا يُغْني عنهم ما كسَبوا شيئاً} من الأموال، ولا ما عبدوا من الآلهة.
قوله تعالى: {هذا هُدىً} يعني القرآن {والذين كفَروا} به، {لهم عذابُ من رِجْزٍ أليمٌ} قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم: {أليمٌ} بالرفع على نعت العذاب، وقرأ الباقون: بالكسر على نعت الرِّجز. والرِّجز بمعنى العذاب، وقد شرحناه في [الأعراف: 134].
قوله تعالى: {جميعاً منه} أي: ذلك التسخير منه لا مِنْ غيره، فهو مِنْ فضله. وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وأبو مجلز، وابن السميفع، وابن محيصن، والجحدري: {جميعاً مِنَّةً} بفتح النون وتشديدها وتاء منصوبة منوَّنة. وقرأ سعيد بن جبير: {مَنُّهُ} بفتح الميم ورفع النون والهاء مشددة النون.


قوله تعالى: {قُلْ للذين آمنوا يَغْفِروا...} الآية في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أنهم نزلوا في غَزاة بني المصطلق على بئر يقال لها: المريسيع، فأرسل عبدُ الله بن أُبيّ غلامَة ليستقيَ الماء، فأبطأ عليه، فلمّا أتاه قال له: ما حبسك؟ قال: غلام عمر، ما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قُرَبَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقُرَبَ أبي بكر، وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مَثَلُنا ومَثَلُ هؤلاء إِلاّ كما قيل: سمِّن كلبك يأكلك، فبلغ قولُه عمر، فاشتمل سيفَه يريد التوجُّه إِليه فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: أنها لمّا نزلت: {مَنْ ذا الذي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة: 245] قال يهوديُّ بالمدينة يقال له فنحاص: احتاج ربُّ محمد، فلما سمع بذلك عمر، اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية، فبعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب عمر، فلمّا جاء قال: «يا عمر، ضَعْ سيفَك» وتلا عليه الآية، رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس.
والثالث: أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذىً شديدٍ من المشركين قبل أن يؤمَروا بالقتال، فشكَوْا ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، قاله القرظي، والسدي.
والرابع: أن رجلاً من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب، فهمَّ عمر أن يبطش به، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
ومعنى الآية: قُلْ للذين آمنوا: اغْفِروا، ولكن شبِّه بالشرط والجزاء، كقوله: {قُلْ لعباديَ الذين آمَنوا يُقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31]، وقد مضى بيان هذا.
وقوله: {للذين لا يَرْجُونَ} أي: لا يَخافون وقائع الله في الأُمم الخالية، لأنهم لا يؤمنون به، فلا يخافون عقابه. وقيل: لا يَدْرُون أنْعَمَ اللهُ عليهم، أم لا. وقد سبق بيان معنى {أيّام الله} في سورة [إبراهيم: 5].
فصل:
وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة، لأنها تضمَّنت الأمر بالإِعراض عن المشركين. واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه قوله: {فاقتُلوا المشركين} [التوبة: 5]، رواه معمر عن قتادة.
والثاني: أنه قوله في [الأنفال: 57] {فإِمَّا تَثْقَفَنَّهم في الحرب} وقوله في [براءة: 36] {وقاتِلوا المشركين كافَّةً} [التوبة: 36] رواه سعيد عن قتادة.
والثالث: أنه قوله: {أُذِن للذين يقتَلون بأنَّهم ظُلِموا} [الحج: 39] قاله أبو صالح.
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ قَوْماً} وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي: {لِنَجْزِيَ} بالنون {قوماً} يعني الكفار، فكأنه قال: لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن.
وما بعد هذا قد سبق [الإسراء: 7] إِلى قوله: {ولقد آتَيْنا بني إِسرائيل الكتابَ} يعني التوراة {والحُكْمَ} وهو الفَهْم في الكتاب، {ورَزَقْناهم من الطيِّبِّات} يعني المَنَّ والسَّلوى {وفَضَّلْناهم على العالَمِين} أي: عالَمي زمانهم.
{وآتيناهم بيِّناتٍ من الأمر} فيه قولان:
أحدهما: بيان الحلال والحرام، قاله السدي.
والثاني: العِلْم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وشواهد نبوَّته، ذكره الماوردي.
وما بعد هذا قد تقدم بيانه [آل عمران: 19] إِلى قوله: {ثُمَّ جَعَلْناكَ على شريعة من الأمر} سبب نزولها أن رؤساء قريش دعَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، إِلى مِلَّة آبائه، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
فأمّا قوله: {على شريعةٍ} فقال ابن قتيبة: أي: على مِلَّة ومذهب، ومنه يقال: شَرَعَ فلان في كذا: إِذا أخَذ فيه، ومنه مَشارِعُ الماء وهي الفُرَض التي شرع فيها الوارد.
قال المفسرون: ثم جعلناك بعد موسى على طريقة من الأمر، أي: من الدِّين فاتَّبِعْها و{الذين لا يَعلمون} كفار قريش.
{إِنَّهم لن يُغْنُوا عنك} أي: لن يَدْفَعوا عنك عذاب الله إِن اتبَّعتَهم، {وإِنَّ الظالمين} يعني المشركين. {واللهُ وليُّ المُتَّقِينَ} الشرك. والآية التي بعدها مفَّسرة في آخر [الأعراف: 203].
{أَمْ حَسِبَ الذين اجْتَرَحُوا السَّيِّئات} سبب نزولها أن كفار مكة قالوا للمؤمنين: إنّا نُعطى في الآخرة مثلما تُعْطَون من الأجر. قاله مقاتل. والاستفهام هاهنا استفهام إِنكار و{اجترحوا} بمعنى اكتسبوا.
{سواءً مَحياهم ومَماتُهم} قرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وزيد عن يعقوب: {سواءً} نصباً، وقرأ الباقون: بالرفع فمن رفع، فعلى الابتداء؛ ومن نصب جعله مفعولاً ثانياً، على تقدير: أن نجعل مَحياهم ومماتَهم سواءً؛ والمعنى: إِن هؤلاء يَحْيَون مؤمنين ويموتون مؤمنين، وهؤلاء يَحْيَون كافرين ويموتون كافرين؛ وشتّانَ ماهم في الحال والمآل {ساءَ ما يَحْكُمونَ} أي: بئس ما يَقْضُون.
ثم ذكر بالآية التي تلي هذه أنه خلق السموات والأرض بالحق، أي: للحق والجزاء بالعدل، لئلاّ يظُن الكافرُ أنه لا يُجزي بكفره.


قوله تعالى: {أفرأيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهه هواه} قد شرحناه في [الفرقان: 43]. وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي.
قوله تعالى: {وأضَّله اللهُ على عِلْم} أي: على عِلْمه السابق فيه أنه لا يَهتدي {وخَتَم على سَمْعه} أي: طَبَع عليه فلم يَسمع الهُدى وعلى {قَلْبه} فلم يَعْقِل الهُدى. وقد ذكرنا الغِشاوة والخَتْم في [البقرة: 7].
{فمَن يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ}؟! أي: مِنْ بَعْدِ إِضلاله إِيّاه {أفلا تَذَكَّرونَ} فتَعْرِفوا قُدرته على ما يشاء؟! وما بعد هذا مفسَّر في سورة [المؤمنون: 37] إلى قوله: {وما يُهْلِكُنا إِلاّ الدَّهْرُ} أي: اختلاف الليل والنهار {وما لهم بذلك مِنْ عِلْمٍ} أي: ما قالوه عن عِلْم، إِنَّما قالوه شاكِّين فيه. ومن أجل هذا قال نبيُّنا عليه الصلاة والسلام: «لا تَسُبُّوا الدَّهْر فإنَّ الله هو الدَّهْر»، أي: هو الذي يُهْلِككم، لا ماتتوهَّمونه من مرور الزمان. وما بعد هذا ظاهر، وقد تقدم بيانه [البقرة: 28] [الشورى: 7] إِلى قوله: {يَخْسَرُ المُبطِلونَ} يعني: المكذِّبين الكافرين أصحابَ الأباطيل؛ والمعنى: يظهر خسرانُهم يومئذ. {وتَرَى كُلَّ أُمَّة} قال الفراء: ترى أهل كل دين {جاثيةً} قال الزجاج: أي: جالسة على الرُّكَب، يقال: قد جثا فلان جُثُواً: إِذا جلس على ركبتيه، ومِثْلُه: جَذا يَجْذو. والجُذُوُّ أشد استيفازاً من الجُثُوِّ، لأن الجُذُوَّ: أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه. قال ابن قتيبة: والمعنى أنها غير مطمئنَّة.
قوله تعالى: {كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلى كتابها} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيِّئاتها، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنه حسابها، قاله الشعبي، والفراء، وابن قتيبة.
والثالث: كتابها الذي أنزل على رسوله، حكاه الماوردي.
ويقال لهم: {اليومَ تُجْزَوْنَ ما كنتم تعملون}.
{هذا كتابُنا} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحَفَظة، قاله ابن السائب.
والثاني: اللوح المحفوظ، قاله مقاتل.
والثالث: القرآن، والمعنى: أنهم يقرؤنه فيَدُلُّهم ويُذكِّرُهم، فكأنه يَنْطِق عليهم، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كنتم تعملون} أي: نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي بكَتْبها وإِثباتها. وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ، من اللوح المحفوظ، تَسْتَنْسِخُ الملائكةُ كلَّ عامٍ ما يكون من أعمال بني آدم، فيجدون ذلك موافقاً ما يعملونه. قالوا: والاستنساخ لا يكون إِلاّ مِنْ أصلٍ. قال الفراء: يرفع الملَكان العملَ كلَّه، فيُثْبِتُ اللهُ منه ما فيه ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللَّغو. وقال الزجاج: نستنسخ ما تكتبه الحَفَظة، ويثبت عند الله عز وجل.
قوله تعالى: {في رحمته} قال مقاتل في جنَتَّه.
قوله تعالى: {أَفَلَمْ تَكُنْ آياتي} فيه إضمار، تقديره: فيقال لهم ألم تكن آياتي، يعني آيات القرآن {تُتْلَى عليكم فاستَكْبَرتم} عن الإِيمان بها {وكنتم قَوْماً مجرِمين}؟! قال ابن عباس: كافرين.

1 | 2